تتعدد أشكال تشوهات الساق ومن ضمنها تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق، وهو ما يسمى أيضًا بالانحناء الأمامي أو الانحناء الخلفي للظنبوب، والظنبوب هو عظمة (القصبة) الساق.
وتشوهات الانحناء الأمامي للظنبوب (Procurvatum) والخلفي (Recurvatum) هي اضطرابات هيكلية تتسم بانحراف غير طبيعي لعظمة الظنبوب (الساق)، مما يؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الحركة وشكل الساق وصحة مفصل الركبة.
يشير الانحناء الخلفي للظنبوب إلى الانحناء المفرط للخلف، بينما يعبر الانحناء الأمامي للظنبوب عن زاوية انحناء مفرطة للأمام.
يمكن أن تنشأ هذه التشوهات نتيجة تشوهات خلقية، أو إصابات، أو مضاعفات جراحية، وغالبًا ما تؤدي إلى تغيرات في آليات المشي، وعدم استقرار المفصل وبالتالي تعرضه للتآكل والخشونة.
يهدف هذا المقال إلى التعريف بتشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق، ووسائل التشخيص، وأحدث أساليب العلاج لهذه التشوهات، مع التركيز على أهمية التدخل المبكر للوقاية من المضاعفات طويلة المدى، وتسليط الضوء على التطورات الجراحية في العلاج.
نظرة عامة على تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق
تعد تشوهات انحناء الظنبوب الخلفي (Recurvatum) والأمامي (Procurvatum) من التشوهات العظمية التي تؤثر بشكل كبير على محاذاة الظنبوب (قصبة الساق) في المستوى السهمي (و كأنك تنظر للمريض من الجانب)، مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور وظيفي وزيادة خطر الإصابة بخشونة الركبة.
والمستوى السهمي (Sagittal Plane) هو أحد المستويات التشريحية الأساسية المستخدمة لوصف اتجاهات وحركات الجسم. يقسم هذا المستوى الجسم بشكل طولي إلى نصفين متساويين: نصف أيمن ونصف أيسر، ويمر من الأمام إلى الخلف و كأنك تنظر للمريض من الجانب.
- الانحناء الخلفي للظنبوب (Recurvatum): يتميز هذا التشوه بانحناء عظمة الساق (الظنبوب) للخلف. وغالبًا ما يحدث نتيجة للإصابات أو الالتئام الغير صحيح بعد الكسور او لمشاكل فى الاعصاب ادت الى ضعف العضلات، مما يؤدي هذا إلى عدم استقرار في مفصل الركبة وحدوث اضطرابات في آلية المشي.
- الانحناء الأمامي للظنبوب (Procurvatum): على النقيض من ذلك، يشير انحناء الظنبوب الأمامي إلى الانحناء المفرط لقصبة الساق باتجاه الأمام. قد يحدث هذا التشوه نتيجة لتشوهات خلقية أو كمضاعفات بعد التدخلات الجراحية او الكسور.
تؤثر هذه التشوهات بشكل كبير على بيوميكانيكا الأطراف السفلية، مما يزيد من خطر حدوث تغيرات تنكسية في مفاصل الركبة والكاحل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تضعف قدرة المريض على تحمل الوزن والمشي، مما يساهم في عدم استقرار المفاصل.
التغيرات الوظيفية لتشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق
تشوهات انحناء الظنبوب الخلفي (Recurvatum) والأمامي (Procurvatum) تؤدي إلى تغييرات بيوميكانيكية معقدة تؤثر على تحمّل الركبة للوزن الجسم.
التغييرات البيوميكانيكية
كلا الحالتين تؤديان الى توزيع الحمل بشكل غير طبيعي عبر مفصل الركبة، مما يزيد من الضغط على الهياكل المحيطة. في حالة الانحناء الخلفي للظنبوب، يحدث امتداد مفرط للركبة (فردها اكثر من استقامتها)، مما يزيد من الشد على الرباط الصليبي الأمامي (ACL).
بينما في حالة الانحناء الأمامي للظنبوب قد يحدث انحناء مفرط للركبة، مما يزيد من الضغط على المفصل ويؤدي إلى ألم في الركبة وأجزاء أخرى من الساق.
الاعتبارات التشريحية
تتأثّر محاذاة قصبة الساق (الظنبوب) بعدد من العوامل التشريحية مثل توازن العضلات، وسلامة الأربطة، والتوافق بين المفاصل.
وقد تؤدي الانحرافات غير الطبيعية في الزوايا إلى خلل في الأربطة، مما ينتج عنه ألم وضعف في وظيفة الحركة. هذه التغيرات البيوميكانيكية قد تؤدي إلى مشكلات في المشي وزيادة خطر التدهور المبكر في المفاصل.
فهم هذه التغييرات البيوميكانيكية والتشريحية مهم للغاية لأطباء العظام. وذلك لتحديد التشخيص ووضع خطة العلاج المناسبة، مما يساعد على تقليل التأثيرات السلبية على المرضى وتحسين جودة حياتهم.
أسباب تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق
ترتبط هذه التشوهات بالعديد من الأسباب. بما في ذلك الاضطرابات الخلقية، وعدم التئام العظام بشكل صحيح بعد الإصابات، واضطرابات في صفيحة (مراكز) النمو، والعوامل الناتجة عن التدخلات الجراحية. وفيما يلي توضيح مُفَصل لهذه الأسباب:
1. الأسباب الخلقية
- الاضطرابات الخلقية: يولد بعض الأشخاص بانحراف غير طبيعي في عظمة الساق. وذلك بسبب تشوهات تطورية، مثل: الركبة الخلفية الخلقية (Congenital Genu Recurvatum) أو أمراض الهيكل العظمي مثل مرض بلاونت.
- اضطرابات عصبية عضلية: حالات مثل السنسنة المشقوقة (Spina Bifida) أو الشلل الدماغي او شلل الاطفال. يمكن أن تؤدي هذه الحالات إلى خلل في قوى العضلات التي تؤثر على عظمة الساق، مما يسبب التشوه.
- عوامل وراثية: بعض الحالات الوراثية مثل متلازمة لارسون تزيد من احتمالية حدوث انحراف غير طبيعي في عظمة الساق.
2. الأسباب الناتجة عن الإصابات
- الالتئام غير الطبيعي للكسور: التئام الكسر بطريقة غير صحيحة قد يؤدي إلى تشوهات في الساق:
- الانحراف الخلفي: قد يحدث بعد شفاء الكسر بزوايا مائلة للخلف أو نتيجة فرط التصحيح أثناء التجبير.
- الانحراف الأمامي: غالبًا ما يحدث بسبب شفاء الكسر بزوايا مائلة للأمام، خاصة في الجزء القريب أو منتصف جسم عظمة الساق.
- إصابات صفيحة النمو: تؤدي الإصابات التي تؤثر على صفيحة النمو عند الأطفال إلى تعطيل التطور الطبيعي للعظم و يعطل النمو فى جزء منها بينما نمو باقى الصفيحة، مما يتسبب في التشوه مع نمو العظام.
3. الأسباب الطبية الناتجة عن التدخلات الجراحية
- مضاعفات جراحية:
- العمليات الجراحية مثل قطع عظمة الساق أو تثبيت الكسور قد تؤدي إلى التشوه إذا لم يتم استعادة المحاذاة بشكل صحيح.
- وضع غير دقيق للدعامات الداخلية أو المسامير داخل العظم يمكن أن يسبب انحرافًا في الزاوية الطولية.
- فرط التصحيح أثناء الجراحة:
- في العمليات التي تهدف إلى تصحيح تشوه معين، مثل الركبة الفحجاء أو الروحاء، قد يؤدي التصحيح الزائد إلى تشوه في مستوى الساق الأمامي أو الخلفي.
4. الاضطرابات العصبية والعضلية
- شلل الأطفال (Poliomyelitis): يؤدي ضعف العضلات حول الركبة إلى اختلال التوازن العضلي. هذا الاختلال يجبر العظام والمفاصل على التكيف لتعويض الضعف، مما يسبب تشوهات مثل الانحناء الأمامي والخلفي في الساق.
- إصابات الأعصاب الطرفية: قد تؤدي الأضرار العصبية التي تؤثر على العضلات السفلية إلى أنماط تحميل غير طبيعية على عظمة الساق، مما يسبب التشوه بمرور الوقت.
5.إعادة تشكيل العظام بعد الإصابات
- إعادة التشكيل نتيجة الإجهاد: الكسور الاجهادية أو الصدمات الدقيقة قد تحفز أنماط نمو عظمية غير طبيعية، خاصة في الرياضيين أو أولئك الذين يمارسون أنشطة ذات تأثير عالٍ.
6. الأمراض التنكسية والمرضية
- خشونة المفاصل (Osteoarthritis): قد يؤدي التهاب المفاصل التنكسي إلى تغييرات تؤدي إلى تشوه عظمة الساق.
- مرض باجيت العظمي (Paget’s Disease of Bone): يمكن لإعادة التشكيل غير الطبيعية للعظام والنمو الزائد أن يسبب انحناءات في عظمة الساق تؤدي إلى تشوهات في مستوى الساق.
في بعض الحالات، لا يمكن تحديد سبب واضح، ويُصنف التشوه حينها على أنه مجهول السبب.
وتؤثر الأسباب الكامنة لانحراف عظمة الساق الخلفي أو الأمامي بشكل مباشر على اختيار خطة العلاج. على سبيل المثال:
- الأسباب العصبية العضلية في هذه الحالة، قد يتم اولا العلاج تحفظيًا باستخدام الجبائر أو العلاج الطبيعي لمعالجة الخلل الموجود في العضلات.
- الأسباب الناتجة عن الإصابات غالبًا ما تتطلب تصحيحًا جراحيًا لإعادة محاذاة العظمة.
تشخيص تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق
يشمل تشخيص تشوهات انحناء الظنبوب الخلفي (Recurvatum) والأمامي (Procurvatum) مزيجًا من التقييم السريري والأشعات التصويرية المتقدمة. وذلك لضمان تشخيص دقيق وتحديد العلاج الأمثل:
التقييم السريري
خلال الفحص البدني، يقوم الأطباء بتقييم نطاق حركة المفاصل، واستقرارها، ومحاذاة الأطراف. ثم تحليل المشي والذي يمكن أن يكشف عن آليات التعويض التي قد يتبناها المرضى نتيجة لهذه التشوهات، مما يساعد في فهم تأثير الحالة على الوظيفة الحركية.
تقنيات التصوير
تعد الفحوصات التصويرية أساسية لتأكيد التشخيص و تقيي درجة الانحراف. فالأشعة السينية العادية في الرؤيتين الأمامية الخلفية وكذلك الجانبية تُستخدم لتوضيح درجة الانحراف بأستخدام اشعة قياس الزوايا و الاطوال.
أما بالنسبة للحالات المعقدة، يمكن اللجوء إلى تقنيات التصوير المتقدمة. مثل التصوير المقطعي المحوسب (CT) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) للحصول على تقييم دقيق للتشوهات وتقييم الأنسجة الرخوة المصاحبة.
علاج تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق
تختلف استراتيجيات علاج تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق بناءً على شدة الحالة والأسباب الكامنة وراءها، مع التركيز على توفير أفضل علاج للمرضى:
العلاج التحفظي
- العلاج الطبيعي: يشمل تمارين تقوية تستهدف العضلات المحيطة بمفصل الركبة، مما يساهم في تحسين استقرار المفصل والحد من الأعراض.
- الأجهزة التقويمية: يمكن أن تساعد الأجهزة التقويمية المخصصة في إعادة توزيع الأحمال بشكل أكثر توازناً عبر مفصل الركبة، مما يخفف الضغط على الهياكل المحيطة ويعزز الاستقرار.
العلاج الجراحي
- عملية قطع العظام (Osteotomy): تُستخدم هذه العملية لإعادة محاذاة الظنبوب وتصحيح التشوهات الزاويّة.
- التثبيت باستخدام المسامير داخل النخاع: في حالات الكسور التي تؤدي إلى عدم محاذاة العظام. يُعتبر التثبيت باستخدام المسامير النخاعية وسيلة موثوقة للحفاظ على محاذاة العظام أثناء عملية الشفاء، مما يسهم في استعادة الوظيفة الطبيعية للمفصل.
تشكل تشوهات انحناء الظنبوب الخلفي (Recurvatum) والأمامي (Procurvatum) تحديات كبيرة في مجال جراحة العظام بسبب تأثيرها الكبير على وظيفة الأطراف السفلية. ويُعَد التشخيص المبكر والعلاج المناسب للحالة أمرين أساسيين لتحقيق أفضل النتائج العلاجية.
وعلى الرغم من التطورات الحالية في العلاج، لا تزال هناك حاجة ملحة للبحث المستمر لتحسين التقنيات الجراحية واستكشاف بروتوكولات التأهيل المبتكرة التي قد تسهم في تعزيز عملية التعافي للمرضى المتأثرين بهذه التشوهات.
أسئلة شائعة عن تشوهات الانحناء الأمامي والخلفي في الساق
يشير انحناء الظنبوب الخلفي إلى الانحناء الخلفي لعظم الظنبوب، بينما يشير انحناء الظنبوب الأمامي إلى الانحناء الأمامي. كلا التشوهين يغيران المحاذاة الطبيعية في المستوى السهمي، مما يؤثر على بيوميكانيكا الأطراف السفلية.
يمكن أن تنتج هذه التشوهات عن تشوهات خلقية، أو إصابات، أو التئام غير صحيح للكسور، أو اضطرابات في صفائح النمو، أو ناتجة عن مضاعفات جراحية.
يزيد انحناء الظنبوب الخلفي من الضغط على الجزء الخلفي من طرف عظمة الظنبوب (الهضبة الظنبوبية) والرباط الصليبي الأمامي، مما يؤدي إلى عدم استقرار المفصل واحتمال الإصابة بخشونة الركبة. انحناء الظنبوب الأمامي قد يتسبب في انحناء مفرط للركبة، مما يزيد من الضغط على المفصل، وبالتالي يؤثر على المشي.
تتراوح الخيارات العلاجية بين العلاجات التحفظية مثل العلاج الطبيعي والأجهزة التقويمية، إلى التدخلات الجراحية مثل عمليات قطع العظام، التثبيت الخارجي، إعادة بناء الأربطة، أو استبدال المفصل، بناءً على شدة الحالة وأسبابها.
تسهم تقنيات التصوير الحديثة (مثل التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد)، والأساليب الجراحية المحسنة (مثل الجراحة المائلة والتثبيت باستخدام المسامير داخل النخاع)، وبروتوكولات التأهيل المتطورة في تحسين نتائج العلاج وتحقيق تعافٍ أفضل للمرضى.
References